السبت، 13 أغسطس 2011

قوامة الأمة على الحكام "أ. د/عبد الكريم بن يوسف بن عبد الكريم الخضر"



قوامة الأمة على الحكام
أ. د/عبد الكريم بن يوسف بن عبد الكريم الخضر
أستاذ الفقه المقارن في قسم الفقه في كلية الشريعة في جامعة القصيم
عقوبة تخلي الامة عن واجبها:
كلنا شاهد وسمع في الاحداث الاخيرة فيما سمي بربيع الثورات العربي من قتل وجرح وتشريد وانتهاك للأعراض واعتداء وسلب للأموال واعتقالات جماعية من قبل بعض المنتسبين للحكومات العربية من اجل حفاضهم على كراسيهم وسلطتهم على رقاب بعض الامة ,وتمسك بعض هؤلاء المعتدين بنصوص واهية زعموا بها ان من حقهم الاعتداء عليها وان هذا الحق الشرعي الذي قاموا به ويقومون به وسيقومون به انما هو من صلب شريعة الاسلام المطهرة ,و اصوله العظام وانهم إن لم يكونوا مأجورين من الله بهذا الفعل (القتل والجرح والاعتقال والتعذيب )فهم لن يكونوا آثمين به .بل وصل الامر ببعضهم لاستحلال القتل والاعتقال والتعذيب من اجل ما سماه البعض المحافظة على الامن .
نتاج الجهل و التجهيل :
وهذا انما حصل في بعض بلاد الاسلام بسبب تواطء واضح من بعض المفتين وطلبة العلم لديهم وهذا هو الاكثر . او بسبب جهل من مرشديهم وهذا قليل فانتج ذلك تخلي الامة عن واجبها بسبب تخلي من كان عالما بهذا الواجب و اعني بذلك جميع من كان قادرا على بيان الحقائق الشرعية وانكار هذه المنكرات التي عمت في تلك المجتمعات وأهمها تلك المنكرات السياسية التي عمت فأدت بشكل مباشر الى تعطيل لاهم شرطين من شروط البيعة الشرعية وهما وجوب العدل بين أفراد الامة ,والشورى لها في كل امورها عن طريق نوابها وهذين الشرطين الاساسيين هما نتاج ركن البيعة الشرعية الركين وهو قوامة الامة على نفسها وحكامها ووجوب مراقبتها لهم وانهم وكلاء عنها وليسوا وكلاء عليها او اوصياء فيها (لان امة الاسلام امة راشدة توكل عنها وليست أمة قاصرة تحتاج الى وكيل عليها أو ولي لها).
وان الحكام مهما بلغت درجات علمهم وحكمتهم فإنهم لا يملكون الوصاية عليها او التصرف بها وبمقدراتها باعتبارهم ملاك لها واولياء على حقوقها(دون الرجوع اليها) وهذا ما يجب على الناس بعمومهم وطلبة العلم والمفكرين والمثقفين بخصوصهم انكاره لان فيه مخالفة للشرع المطهر الذي وصل بمن خالفه ان جعل الامة كلها مرهونة لعدة افراد مكنهم فيها من أن يرهنوا قدرتها وقوتها وثرواتها لمصالحهم الفردية الضيقة الخاصة لا مصالح الامة العامة ولو ادى ذلك الى موالاة الاعداء في سبيل بقائهم متنفذين في مصير الامة
مقتضى البيعة الشرعية:
ان عقد البيعة الشرعية بين الامة وحكامها هو عقد شرعي لإصلاح امور الدين وامور الدنيا يقوم فيه كل طرف من اطراف العقد بما اوجب الله عليه في هذا العقد , فالأمة وبحكم انها هي المسؤولة امام الله عز وجل عن حماية دين الله(وليس الحاكم) وهي الحفيظة على الشريعة والله سوف يحاسبها بعمومها على القيام بما اوجب الله عليها من حفظ بيضة الاسلام وصيانة شريعة الله عن ابطال المبطلين وافساد المفسدين ,كان من الواجب عليها فرضا ان تختار عنها نوابا للقيام بذلك حتى تتخلص من اثم تضييع الملة وافساد الشريعة .ويجب على هؤلاء النواب ان يقوموا بما اوجب الله عليهم بسبب قبولهم لتوكيل الامة لهم في قيامهم بما اوجب الله على موكليهم (بقية الامة) ويجب على هؤلاء النواب او الوكلاء عن الامة ان يساهموا مساهمة فعالة بالقيام بهذا الفرض الذي افترضه الله على الامة باعتبارهم نواب لها ووكلاء عنها كما ينبغي عليهم ان يختاروا من يقوم بالأشراف على امورها وهو الحاكم , على ان تلتزم الامة بان تقرر له من الرزق ما يكفيه عن العمل بغير مصالحها وهذا ما حصل من الصحابة رضوان الله عليهم حينما وجدوا ان ابا بكر قد خرج لطلب الرزق بعد توليه لمنصب الخلافة فمنعوه من ذلك وفرضوا له رزقاً له ولمن يعول من اهل بيته يغنيه عن العمل والتكسب مما قد يتسبب في انشغاله عن القيام بأمر الامة وهذا يدلنا على ان الحاكم ونوابه لا يجوز لهم ان ينشغلوا بالتكسب عن القيام بأمر الامة وان قيامهم بذلك يعتبر اخلالا منهم بالبيعة الشرعية .
وعند حصول هذا التسلسل في اختيار الامة لنوابها ولحكامها تظل هي المسؤولة امام الله عز وجل عن حفظ الملة ونشر الاسلام وتطبيق الشريعة وذلك بقيامها بمراقبة نوابها وقيام نوابها بمراقبة حكامها.
عقوبة تقصير الامة في قوامتها:
واذا قصرت الامة في ذلك فهي آثمة وسيحاسبها الله على تقصيرها ولا يجوز ان تعتذر بانها اقامت لها حاكماً او نواباً يقومون بهذا الامر عنها , لأنها هي المخاطبة(اصلاً) بجميع أصول الشريعة وفروعها , ولعله من اوضح الادلة على ذلك ان جميع الآيات القرآنية والاحاديث النبوية التي جاء بها التشريع من الله بدأها الله بمخاطبة عموم الناس في مثل قوله تعالى (يا ايها الناس) و(يا ايها الذين امنوا ) ونحوها , فالضمير لمجموع الامة وليس لخصوص الافراد او الحكام فلم يرد الامر من الله عز وجل للأفراد او الحكام . وهذا يدل دلالة قطعية على ان الامة هي الحفيظة على الملة والشريعة وقد فطن جل علماء الاسلام لذلك ,وممن فطن لهذا الامر ونص عليه شيخ الاسلام ابن تيمية حينما قال : (والامة هي الحفيظة على الملة والشريعة) ولعل مما يعجب منه الانسان ولا ينتهي عجبه ان جميع الامم سواء من تدعي انها ذات رسالة سماوية او من لا تدعي ذلك قد فطنت لهذا الامر ونظمت امورها بناء على ذلك فجاءت تنظيماتها السياسية تقوم على مجموع افرادها وليس على احادهم . ولذلك أصبحت دولهم دول حقوق ومؤسسات لا دول افراد يجتهدون حينا فيخطئون اكثر مما يصيبون .
اما بعض اهل امة الاسلام فلم يفطنوا له واعتبروا ان الحكام لهم مرد الامر كله, من قبل ومن بعد باجتهاداتهم الفردية التي تقوم على حفظ مصالحهم الفردية الضيقة وتقديمها على مصالح الامة وهذا نابع من شعورهم القاصر وثقافتهم الهشة ان الحكام هم المسئولين امام الله عن حفظ الشريعة والقيام بواجبات صيانتها. ولعل مما تسبب لهم بذلك انهم على مر الازمان جعلوا للحكام قدسية لم تصح للنبي صلى الله عليه وسلم فضلا عن ان تصح لغيره.
مصطلح الحاكم في الاسلام :
وبما ان الاسلام حينما يذكر اسماً او مصطلحاً فإنه يقصد به من ينطبق عليه المصطلح الشرعي فهو الذي يصح له ما ورد بهذا المصطلح فلا تسمى الافعال التي يقوم به المسلم من قيام وركوع وسجود وجلوس صلاة الا اذا كانت وفق العمل الذي جاء به الاسلام وكذلك الزكاة وغيرها من المصطلحات الشرعية فكذلك لا يسمى حاكما في الاسلام الا من جاء وفق الضوابط الشرعية التي وضعها الاسلام وهذا الحاكم الذي تنطبق عليه هذه المعايير عند اختياره يكون من الحكام الذين يثبت لهم جميع ما ورد من نصوص شرعية في وجوب قيامهم بواجباتهم ووجوب القيام لهم بحقوقهم ,لانهم يصبحوا حكاما بالمصطلح الشرعي في الاسلام
التقصير في التبليغ:
إن من علم بذلك يجب عليه ان يعلم ان اخفاء مثل ذلك يعتبر من المظالم والمنكرات السياسية التي تقع على الامة بعمومها بإغفال هذه الحقائق مما ينتج عنه استشراء جميع انواع المظالم من مظالم اجتماعية كإفساد الاخلاق والتعليم وتدمير القدرات وانتشار الفساد والاعتقالات التعسفية ومظالم اقتصادية كسوء توزيع الثروة والعبث بمقدرات الامة ونحوها وغيرها من المظالم فمن لم يبذل كل وسعه من اجل رفعها وازالتها ولو كان يخاف من بعض الاضرار الدنيوية كنقص في قوته او فصل من عمله او قطع لراتبه او تقييد لحريته او اعتقال لذاته امنعا له من السفر او غيرها من الاضرار الدنيوية والتي تهون عندما يتذكر الانسان العقوبة الشرعية على السكوت عن هذه المنكرات والمظالم التي تعم الامة ونحو ذلك لان ضرر المنكرات والمظالم العامة متيقن وهذا الضرر الفردي الذي يخافه متوقع فلا يجوز له ترك انكار المنكر المتحقق من اجل خوفه من ضرر متوقع ثبت في واقع الحال عدم وقوعه في كثير من الاحوال
فلماذا الخوف إذن :
إذا علم المسلم ان هذا من الظلم وعلم حرمة الظلم في الاسلام وادلة ذلك القطعية من صريح الكتاب وصحيح السنة وان الله حرم ذلك على نفسه وهو خالق الناس وموجدهم من العدم وجعل ذلك محرما بين الناس فلماذا لا ينكر على من انتهجه وجعل ذلك له ديدنا.
هل يمنعه من اداء هذا الواجب الخوف من خلق الله وهو يعلم ان الخوف عبادة لا يجوز صرفها لغير الله تعالى وان من جعل خوفه من الناس اشد من خوفه من الله فقد اشرك بالله في ملكه إذا فلماذا يجعل خوفه من عباد الله اشد من خوفه من الله ؟؟ ام هو بسبب التعلق بالدنيا والتغافل عن الاخرة هو الذي جعل الحرص على اصلاح الدنيا اولى من اصلاح الدين !. والخوف على الدنيا ينسي الخوف على الدين ؟.الا يتذكر بمخيلته وقوفه بين يدي الله عز وجل وهو يسأله عن تركه لهذا الامر الواجب عليه, فما هو مجيبه وهو المطلع على السرائر!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق